تخاريف كاتب/بقلم: احمد سالم سالم

 الدكتور عامل المعمار

كان (عليّ) في الصف الثالث الثانوي عندما تفوَّق على نفسه وأصدقائه، وأصبح الأول على محافظة (مش مهم)، خرج (عليّ) من منزل صديقه (محمد) الذي نجح ب50%.. بعد مشاجرة بينهما لأن (محمد) كان يتهم (عليّ) بأنه خائن، وقال له: "كنا نذاكر ونراجع مع بعض، وأنت تجيب مجموع أعلى مني، ليه انت كنت بتذاكر لوحدك من غير ما تقولي؟"..

وقف عليّ في صدمة وذهول من ردة فعل محمد.. حاول أن يخرج عن صمته ويقول: "لا أنا مكنتش بذاكر من غيرك وكمان أنت عارف إني مكنتش بأخد دروس وأنت إلا كنت بتروح الدرس وتجيب المراجعات وأنا أقعد اشرحهالك".. 

رد محمد: "أنت كذاب اطلع بره ومتعرفنيش تاني. 2

دخل عليّ منزله وهو يختنق ممَّا حدث، وكانت أمه تجلس على حصيرة من البلاستيك، وأمامها طبلية من الخشب، وعليه صينية بها خلطة محشي، وأوراق القرنب المسلوق في يديها تلفها صوابع".

-عليّ: السلام عليكم..

-فردَّت الأم: "أنت جيت يا موكوس.. لم يستغرب من رد أمه فهذا الطبيعي لأنه كانت هي وأبيه دائماً ما يحقرون منه ويقللون من شأنه.

-عليّ: "أنا نجحت وطلعت الأول على المحافظة"..

-الأم: "يا ما جاب الغراب لأمه، يا واد سيبك من الخيبة دي وانزل الشغل مع أبوك أنت أوله باليومية عيال أصغر منك وبقوا صنايعية وكسيبه معمركش هتبقا راجل خليك داير وراء أصحابك البايظين إلا زيك".. 

دخل عليّ إلى غرفته التي لا يوجد بها باب خلع ملابسه، ووقف أمام الدولاب المكسر وبدا يبحث عن جلبابه في وسط كومة من الملابس، وهو يسب ويلعن في كل شيء في الظروف، وفي أهله وفي أصدقائه، ويخبط بقدمه كل ما يقابله..

لقد أصبح الغضب مسيطراً عليه لدرجة الاختناق.. وإذ بأبيه يدخل إلى المنزل ويلقي بالتحية على زوجته وهو يحمل في يده قصعة وبها جوال إسمنت فارغ يضع به ملابسه والرمل والإسمنت مختلطين بعرق جبينه وجافين علي وجهه.. إزيك يا أم علي.. 

-الأم: "بخير يا أخويا تعال اقعد".. 

-الأب: الواد علي بره ولا هنا.. خرج علي من غرفته وجلس بجوار أبيه. 

-فقال الأب: "يا بني مش هتنزل الشغل معاية يا بني أنا كبرت والصحة بقت علي القد". 

-عليّ: "أنا نجحت وطلعت الأول على المحافظةـ وإن شاء الله هدخل كلية طب ولا هندسة وهريحك خالص يابا"..

-الأب: ولحد ما تبقى (دك.تور) مين الا يصرف عليك وعلى البيت.. عليّ: "خلاص أنا هنزل معاك الشغل بس في الإجازة بس..

وبعد أن عمل عليّ مع أبيه في المعمار تعب الأب، وقال لهم الطبيب ألا يجب أن يعمل مرة أخرى، فأصبح من المفروض على (عليّ) أن يعمل ويدرس، ويتحمل نفقة المنزل والدراسة والمنزل.

3

ذهب (عليّ) إلى الجامعة، وهو في الطريق اتصل به أحد أصدقائه ليقول إنه رسب هذا العام فرجع من الطريق، وهو يحمل كم من الحزن والضيق، وأصبح وجهه شاحباً من تعب ومشقة عمله في المعمار، وملابسه سيئة وغير نظيفة..

ومرَّت الأعوام وكثر الرسوب، وأصبح لا يذهب إلى جامعته وانحدر الحال إلى أسوأ الأحوال ونسي حلمه من كثرة تعبه وهمومه، وذات مرة ذهب هو وزملائه في العمل لكي يعملوا في منزل دكتور يريد أن يبني شقته التي سيتزوج بها ليكتشف أنه شقة محمد صديقه في الثانوية.. لقد ادخلوه أهله جامعه خاصة، وتخرج من كلية الطب، ويعمل في كبرى المستشفيات، وأصبح من أكبر الأطباء في زمن قليل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تخاريف كاتب/ بقلم: احمد سالم سالم

تخاريف كاتب/ بقلم : احمد سالم سالم محمد

تخاريف كاتب/ بقلم : احمد سالم سالم